يقول رب العزة سبحانه: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير
[الإسراء:1].
شاء الله الذي لا راد لمشيئته سبحانه القادر الذي لا يعجزه شيء أن يمن على
حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام برحلة مباركة طيبة هي الإسراء والمعراج.
فما الإسراء والمعراج ؟ وما صفته ؟ وما الدروس المستفادة منه ؟
أما الإسراء: فهي رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس.
أما المعراج: فهي رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه
الصلاة والسلام من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم
اللقاء بجبار السماوات والأرض سبحانه.
وينبغي أن تعلم :
أن الإسراء والمعراج كان بالجسد والروح معه واستدل العلماء على ذلك بقول
رب العزة سبحانه: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء:1]. والتسبيح هو تنزيه
الله عن النقص والعجز وهذه لا يتأتى إلا بالعظائم ولو كان الأمر مناما لما
كان مستعظما ثم بقوله تعالى : بعبده والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح .
إن المؤمن الجاد في إيمانه لا ينكر أبدا إمكانية الإسراء وهو مؤمن
بقدرة الله القادر المقتدر: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون [يس:82]. المؤمن الجاد في
إيمانه لا ينكر أبدا إمكانية الإسراء والمعراج وهو يقرأ في كتاب الله عز
وجل أن الله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض ورفع عبدا من
عبيده من الأرض إلى السماء أنزل آدم وزوجه: قلنا اهبطوا منها جميعا
[البقرة:38]. ورفع عيسى عليه السلام: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك
ورافعك إلي [آل عمران:55]. فكيف نستكثر على رسول الله عليه الصلاة والسلام
أن يعرج به مولاه ؟
المؤمن يقرأ في كتاب الله عز وجل أن الله تعالى وهب عبدا من عباده القدرة
على نقل عرش ملكة سبأ من جنوب اليمن إلى أرض فلسطين في غمضة عين: يا أيها
الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا
آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من
الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا
من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر [النمل:38-40]. فإذا كانت هذه قدرة عبد
فكيف بخالقه وإذا كانت هذه إمكانية موهوب فكيف بالواهب سبحانه ؟
إن من الحقائق العلمية أن القوة تتناسب تناسبا عكسيا مع الزمن فكلما زادت
القوة قل الزمن فكيف إذا كانت القوة هنا هي قوة الحق سبحانه ؟ لذا جاء في
بعض الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام أًسري به وعرج وعاد وفراشه لم
يزل دافئا عليه الصلاة والسلام .
أما صفة الإسراء والمعراج :
فآلة الركوب كانت هي البراق ، ((أتاه به جبريل فكانت تضع حافرها عند منتهى
طرفها صلى النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما في بيت المقدس صعد
إلى السماوات العلا اطلع على أهل الجنة واطلع على أهل النار ، اطلع على
أهل الجنة فأري رجالا يزرعون يوما ويحصدون يوما كلما حصدوا عاد الزرع كما
كان قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يخلف الله
عليهم ما أنفقوا))([1])، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه [سبأ:39]. (( ما من
يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: ((اللهم أعط
ممسكا تلفا)) ، ويقول الآخر : ((اللهم أعط منفقا خلفا))([2]).
وأمتنا عندما تركت الجهاد عندما ظنت على الله عز وجل بمالها بأنفسها سلط
الله عليها ذلا ليس بعده ذل أن أراذل خلق الله عز وجل يسوقونها: قل هو
القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم [الأنعام:64].
قال ابن كثير: ((من فوقكم أي الصواعق ومن تحت أرجلكم أي أن يسلط عليكم
أراذلكم))([3]).
((رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجالا وأقواما ترضخ رؤوسهم بالحجارة قال:
من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة))([4]).
العقول والرؤوس التي كانت تحترم كل موعد بشرى يزيد من رصيدها ويزيد من
مالها تخرج مبكرة وتعود في آخر ساعات الليل ولكنها تنسي موعدها مع الله عز
وجل في موقف بين يدي الله في خمس صلوات مثل هذه الرؤوس لا وزن لها ولا
كرامة لها عند الله وتستحق يوم القيامة الرمي بالحجارة ((ورأى النبي عليه
الصلاة والسلام أقواما يسرحون كما تسرح الأنعام طعامهم الضريح (نبت ذو
شوك) قال : من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة
أموالهم))([5]). وأي درك حيواني يبلغه الغني المسلم عندما يفتقد مشاعر
الأخوة مشاعر الرحمة والرأفة بالضعيف الفقير ، ومثل هذا يستحق أن يحشر يوم
القيامة على صورة الحيوان ، ((ورأى النبي عليه الصلاة والسلام رجالا
يأكلون لحما نتنا خبيثا وبين أيديهم اللحم الطيب النضج قال: من هؤلاء يا
جبريل؟ قال: هؤلاء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأة بالحلال فيدعها
ويبيت عند امرأة خبيثة حتى يصبح))([6]) المؤمن ينأى بمائه أن يضعه إلا في
الموضع الكريم الطاهر .
__________________